تمس قضية التعليم في المغرب بنية الدولة والمجتمع بشكل عميق، ما
يجعلها مشكلة بنيوية تستدعي جرأة قوية وكفاءات عالية لمباشرة إصلاح جذري،
وبدون شك فالمشكلة هي أكبر من أن تحصى أسبابها في أسطر، لكن سنجرد العوامل
الأساسية العامة لفشل المنظومة التعليمية المغربية.
-
انعدام الإرادة السياسية: لطالما حرصت نخبة السياسيين والنافذين على توفير تعليم جيد لأبنائها من خلال تدريسهم في المدارس الخاصة أو إرسالهم إلى الخارج، وبالمقابل لامبالاة القيادات السياسية بجودة التعليم العمومي، بل بالعكس تمعن في خوصصته عاما بعد عام، إنه – كما قال الأكاديمي يحيى اليحياوي-
أداة حكامة سياسية واجتماعية فريدة، يتم توظيفها من لدن الدولة بكل مستوياتها، بغرض خلق تراتبية اجتماعية تعيد إنتاج السائد المهيمن (8).
-
الفساد: تقضم وزارة التعليم حوالي %30 من إجمالي الميزانية، حيث يضاهي غلافها المالي نظيراتها في بلدان متقدمة كالدانمارك، غير أن الفساد المستشري داخل المنظومة التعليمية يؤدي إلى ضياع الأموال الوفيرة دون أن تنعكس في الواقع، وتمتلئ صفحات الجرائد بالفضائح المالية لمسؤولي الوزارة والعمادات والمدارس، وقد بدا الفساد بشكل جلي كجزء من المشكلة يعرقل الإصلاح حينما اختفت الأموال السخية المعتمدة لتنزيل المخطط الاستعجالي، دون أن تظهر مخرجات المخطط على أرض الواقع.
-
ضعف الكفاءة: التخطيط للتعليم ليس مسألة سهلة إذ يتطلب كتيبة متكاملة من الخبراء والمتخصصين، وليست لدى كل الدول الطاقات العلمية المؤهلة لذلك، ومعظم البلدان التي حققت قفزة متقدمة في نظامها التعليمي – كالشأن مع سنغافورة وكوريا الجنوبية – لم تفعل ذلك إلا بعد أن أرسلت بعثات علمية عديدة قصد جلب الخبرة من دول عريقة في المجال التعليمي مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ونفس الأمر قام به المغرب سابقا لكنه لم يفلح، واستيراد المناهج ليس حلا للمشكلة، فلكل مجتمع ظروفه التاريخية والمجتمعية والثقافية التي يعيشها. يتطلب التخطيط للتعليم بلورة رؤية فكرية واضحة تتناسب مع متطلبات العصر من جهة وطبيعة المجتمع من جهة ثانية، والأهم من ذلك إقرار ميكانيزمات دقيقة لتقييم المخططات المراد تنزيلها، مع تتبع مستمر وتعديلها بما يناسب الوضع إن لزم الأمر، ووضع آليات محددة للمساءلة والمحاسبة، بالإضافة إلى تكوين كوادر تعليمية مؤهلة للقيام بمهمة التدريس على أفضل وجه.
-
إهمال الأسرة: تمثل الأسرة اللبنة الأساس في المنظومة التعليمية رغم أن كل المناقشات حول الموضوع تغفل هذه الزاوية، إنها المؤسسة الأولى التي تتحمل مسؤولية تعليم الفرد، غير أن الأسر المغربية تعاني الكثير من الأعطاب التي تمنعها من أداء مهمتها تلك، بسبب انتشار الأمية والفقر في المجتمع وكذا ضعف التوجيه وتبخيس قيمة التعليم، والنظر إليه باعتباره مشروعَ وظيفة لأبنائها أكثر مما هو فرصة لتكوين ذواتهم.
كل هذه الأسباب تجعل مهمة إصلاح التعليم مهمة شاقة، بينما لا توجد
أي مؤشرات حتى الآن تدل على أن النظام التعليمي المغربي بدأ يسير في
الاتجاه الصحيح، ناهيك عن أن المعارف ومتطلبات العصر تزداد تطورًا وتعقيدًا
مما يصعب مهمة اللحاق بالركب، ويضع المزيد من التبعات على المسؤولين
والخبراء لأجل البدء في رؤية واضحة لمواجهة حالة التردي التعليمي في
المغرب.
